بسم الله الرحمن الرحيم
وصف الأهرام لـ/ محمد بك المويلحي
وَقَفْنَا هُنَاكَ موقف الإجْلَالِ والإِعْظَامِ، قُبَالَةَ(1) ذلك
العَلَم الَّذِي يُطاوِل الرَّوَابي وَالأَعْلَامِ، وَالْهَضَبَة التي تَعْلُو الهِضَاب
والآكام(2)، والبَنِيّة(3) التي تُشرِفُ على رَضْوَى وَشَمَام(4)، وَتُبْلي ببقائِها جِدة
اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَتَطْوِي تحت ظِلالها أقواماً بَعْدَ أَقْوَام، وتُفنى
بدوامها أعمار السنين والأيام، خَلَقَتْ ثيابُ الدَّهْرِ وهي في ثوْبها القشيب(5)،
وشابَتْ الْقُرُونُ وَأَخْطَأَ قَرْنَهَا وَخُطُ الْمَشِيب(6)، ما بَرِحَتْ ثابتةً
تُنَاطِحُ مَواقِعَ النُّجُومِ، وَتَسْخَرُ بِثَوَاقِب الشُّهُبِ والرُّجُوم(7)، وتُحَدِّثُ حديثَ
المشاهدةِ والعَيَان، ما تعاقب الفَتَيَان وتَناوَبَ الْمَلوان(8)، عَنْ قُدْرَةِ
هَذَا الإِنْسَان، في بدائعِ الصُّنْعِ والإتقان، وتنبئ عَنْ قُوَّة هَذَا
الضَّعيف الضَّئيل، في إقامة مثل هذا الأثرِ الجليل، وَكَيْفَ لِهَذَا الفانِ
البائِد، أن يَصْدُرَ عنه مثل هذا الباقي الخالِد، وَجَلَّ صُنْعُ القَدِير
الخالق، في تصويرِ هذا الحيَوَان الناطِق، حيثُ جَعَلَهُ مَصْدَراً للأعمالِ المُتناقِضَة،
والأفعال المتغايرة المتعارِضة، فَبَيْنَا تَرَاهُ يَصْعَدُ إلى أجْرَامِ
السَّمَاء وَعَوَالِمِها، ويبحثُ بفِكْرِهِ فِي رُسُومِها ومعالمها، ويَسِيرُ
بعلمه في أنحائِها ومَنَاكِبِهَا، ويَهْتَدي لِحِسَابِ أقْمَارِها وكواكِبِها،
إِذْ تَرَاهُ يَعَثُرُ عَثْرَةً بِرجْلِهِ، فَيَكُونُ فِيها مُنتَهى أَجَلِهِ،
أَوْ يَكْبُو فِي طَرِيقه، فيَغُصُّ بريقِه،
ذَاكَ الَّذِي كَبُرَ وصَغُر، وَعَظُمَ وَحَقُر، وَعَزَّ وَذَلَّ، وَكَثُرَ
وقلّ ، وصَعَد وَهَبَط، وَعَلَا وَسَقَطَ، وَصَلَحَ وفَسَد، وَعَرَفَ وجَحَد، وسعد وشقي، وَفَنيَ وَبَقي،
وسُبْحانَ القَاهِرِ فَوْقَ عِبَاده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من كتاب/ المنتخب من أدب العرب
(1) قبالة : أمام وتجاه، والعلم : الجبل.
(2)الآكام: الأكمة ما علا من الأرض على ما حوله. (3) البَنِيّة : البناء .
(4) رضوى و شَمَام: جَبَلان . (5) القَشيبُ: الجديدُ أَو النظيفُ.
(6) وخط المشيب: مخالطة الشيب الشعر
وقرنها ضفيرتها.
(7) الرُّجُوم: الشُّهُبُ
والنيازك.
(8) الفَتَيَان والْمَلوان: الليل
والنهار.


تعليقات
إرسال تعليق