google.com, pub-2715080204716401, DIRECT, f08c47fec0942fa0 google.com, pub-2715080204716401, DIRECT, f08c47fec0942fa0 قصة جندي الصفيح الصامد لـ هانس كريستيان أندرسن

القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة جندي الصفيح الصامد لـ هانس كريستيان أندرسن

https://agbne.blogspot.com/

بسم الله الرحمن الرحيم

قصة جندي الصفيح الصامد

كان هناك خمسة وعشرون جنديًا من الصفيح جميعهم أخوة أشقاء، لأنهم صنعوا من صفيح ملعقة واحدة، حملوا بنادقهم في أذرعهم ووجوههم مصوبةٌ إلى الأمام، أما زِيّهم الجميل فكان باللون الأحمر والأزرق .


الكلمة الأولى التي سمعوها في هذا العالم، عندما فُتِحَ غطاء العلبة حيث كانوا هي: ياااه إنهم جنود من الصفيح! والتي قالها الولد الصغير صائحًا، وصفّق بيديه كانت هي هدية عيد ميلاده .

وضع الولد الجنود على الطاولة، وقد شابَهَ كلُّ جنديٍّ منهم الآخر عدا واحدًا فقط الذي كان مختلفًا بعض الشيء ـ كانت له ساقٌ واحدة ـ لأنه كان آخر من صُنِع ولم يكن هناك من الصفيح ما يكفي له، ولكنه وقف ثابتًا في مكانه على ساق واحدةٍ تمامًا مثل الآخرين الذين وقفوا على ساقين اثنتين ولكنه وحده الذي سيثير العجب.


كان على الطاولة التي اصطف عليها الجنود، الكثير من الألعاب؛ ولكن الذي وقعت عليه العين كانت قلعة رائعة من الورق، يمكن للمرء أن يرى ما في داخلها من خلال نوافذها الصغيرة، وكان خارجها أشجارٌ تحيط بمرآة صغيرة، كانت بمثابة بحيرة تسبح فيها بجعات من الشمع، انعكست صورها على سطح المرآة .


كل شيءٍ بدا رائعًا  ولكن الأكثر روعة كان شابّةً صغيرة، وقفت عند باب القلعة، كانت هي الأخرى قد قُصّت من الورق، ترتدي تنورةً من الكتان الصافي، وحزامًا رفيعًا أزرق على كتفيها كوشاح؛ في منتصفه حلية صغيرة لامعة كبيرة بحجم وجهها بأكمله، وكانت الشابة الصغيرة تمد يديها لأنها كانت راقصة باليه، كما كانت ترفع إحدى ساقيها عالياً جدًا في الهواء، لذا لم يكن بمقدور جندي الصفيح رؤيتها وظن أنها بساق واحدة مثله .


فكرّ جندي الصفيح : إنها تصلح زوجة له، ولكنها تبدو ذات مقام رفيع وتسكن في قلعة أما أنا فليس لدي غير علبةٍ أتقاسمها مع أخوتي الجنود وهو مكان لا يليق بها، ومع هذا فيجب أن أتعرف عليها..

 واستلقَى على طاولةٍ خلف علبة التبغ التي كانت ملقاةً على الطاولة، كان يمكنه من هناك رؤية تلك الفتاة الرقيقة بشكل أفضل، والتي كانت لا تزال واقفةً على ساق واحدة دون أن تفقد توازنها .


عندما حلّ المساء دخل الجنود في علبتهم، وذهب الناس في البيت إلى النوم، بدأت ألاعب الأطفال باللعب؛ لعبة الغريب، لعبة الحرب، وأقامت حفلًا راقصًا، وقد صلصل جنود الصفيح في علبتهم، لأنهم كانوا يرغبون بمشاركة الألعاب في لعبهم، ولكنهم لم يتمكنوا من رفع غطاء العلبة، كانت كسّارة البندق أخذت تتشقلب في الهواء، والطبشور بدأ يلعب ويهرج على اللوحة .

لقد أحدثوا ضجّةً جعلت طير الكناري يستيقظ من نومه، ويبدأ الحديث معهم ولكن بكلام مقفّىً ، الوحيدان اللذان لم يتحركا من مكانيهما، كانا جندي الصفيح وراقصة الباليه التي بقيت منتصبة على طرف إبهام قدمها، بينما يداها ممدودتان، والجندي كان ثابتاً في مكانه على ساق واحدةٍ، ولم تفارق عينه الفتاة لحظة .


دقت الساعة الثانية عشرة فقفز غطاء علبة التبغ، لم يكن هناك تبغ في العلبة بل كان هناك عفريتٌ أسود صغير! – و يا للّعبةِ من قطعةٍ فنيةٍ جميلة –

أنت يا جنديَّ الصفيح ألا تغض الطرف عنها؟!

 ولكن جنديَّ الصفيح تصنَّع عدم السمعِ لما قاله العفريت..

 فقال له العفريت: حسنًا إذن سترى في الغد!

 وعندما حلَّ الصباح واستيقظ الأطفال؛ وُضِعَ جنديُّ الصفيح عند النافذة..

 

أكان العفريت أم تيار الهواء هو الذي فتح النافذة فجأة !!
فاندفع جنديُّ الصفيح مرةً واحدةً وسقطَ على رأسه من الطابق الثالث؛ حدث ذلك بسرعة مخيفة!!

 فوقف على قلنسوته، وتعلّقت ساقه في الهواء بينما استقرت سكّينُهُ ذاتُ الحدّيْن بين حجر الرصيف.


نزلت الخادمة والولد الصغير في الحال للبحث عنه، وبالرغم من أنهما قد أوشكا أن يدوسا عليه، فلم يتمكنا مع هذا من رؤيته!!

 لو كان صاح: أنا هنا! لوجداه بالتأكيد؛ ولكنه لم يجد في الصراخ العالي أمراً يليق به، وهو يرتدي الزيَّ العسكري .


بدأت قطرات المطر تتوالى الواحدة بعد الأخرى، كان المطر غزيرًا جدًا وعندما توقف المطر، مرّ ولدان متشردان فقال الأول: أنظر هناك جندي صفيح !! لنجعله يبحر..

 وصنع المتشردان قاربًا من ورق جريدة، ووضعا جنديّ الصفيح فيه وراح القارب مبحرًا به في مجرى تصريف المياه في الشارع، والولدان المتشردان يركضان معه، ويصفّقان بأيديهما، و يا إلهي! أية أمواجٍ عاتيةٍ كانت! وأي تيارٍ قويّ! فقد كان المطر غزيرًا جدًا .

وصعدَ القاربُ الورق ونزلَ واستدارَ فجأةً بسرعةٍ كبيرةٍ اهتزَّ لها جنديُّ الصفيح؛ ولكنه بقيَ ثابتًا لم يرّفَ له جفنٌ ينظرُ إلى الأمام، ويحمل بندقيته في ذراعه..

 وبلحظةٍ انجرف القاربُ في فتحة تصريف المياه تحت الأرض إلى النفق، وصار الجو مظلمًا كما لو أنه قد دخل العلبة!

 

فكّر جندي الصفيح: يا ترى أين سأصل؟

إنه فعلُ العفريتِ ولا شكَّ! يا لحسرتي .. لو كانت الشابة الصغيرة هنا في القارب معي، لما كنت سأهتم حتى لو كانت الظلمة مضاعفة..

 

وجاء بالحال جرذُ ماءٍ كبيرٌ وسأله: هل لديك جواز سفر؟ هيّا أرني جواز سفرك!

لكنَّ جنديَّ الصفيح التزم الصمت وأمسك بندقيته بقوة..


انطلق القارب، وجرذ الماء يتبعه وهو يصِرُّ على أسنانه الحادة، وصاح على العيدان والقش: أوقفوه! لم يدفع ضريبةً؛ ولم يبرز جواز سفره!

 

ولكنّ التيار صارَ أقوى وأقوى، وصار بإمكان جندي الصفيح الآن لمحُ ضوء النهار من خلال فتحة المجاري إلى الشارع، ولكنه سمع حينها أيضًا صوت خرير ماء مندفعٍ بقوة ـ يجعل أشجع الجنود يرتعد ـ إذ كان الماء يندفعُ في نهاية فتحة المجاري بقوةٍ عارمةٍ خارجًا إلى قناةٍ كبيرة .


وقد كان الإبحار خطيرًا جدًا بالنسبة إليه، كما لو كنا نحن قد أبحرنا في شلّالٍ كبير!

 وقد اقترب الجنديُّ كثيرًا من القناة، حتى لم يعد بإمكانه إيقاف القارب الذي اندفع به، وبقيَ جندي الصفيح المسكين جامدًا، قدر استطاعته فلا يجب أن يرمش له جفن.

استدار القارب ثلاث أربع مرات، وكان مملوءً بالماء حتى الحافة، يوشك على الغرق، والجنديُّ واقفٌ وسطَ الماء الذي وصل حتى رقبته!

غرق القارب أعمق وأعمق، وأخذ ورق الجريدة يذوب ويذوب؛ حتى وصل الماء إلى رأس جندي الصفيح!

 حينها فكّر براقصة الباليه الرقيقة، ـ التي لن يراها بعد الآن ـ فوصل رنين أغنية لعبةٍ يلعبها الأطفال إلى أذنه؛

 هي : انطلق أيها المحارب ستواجه الموت يومًا !

تمزّق ورق القارب، وسقط الجنديُّ في الماء، وعلى الفور ابتلعته سمكة كبيرة!

 

و يا لها من ظلمة حالكةٍ في الداخل!

 كانت أشدَّ ظُلمةً من المكان داخل المجاري تحت الأرض!

 كما إنّ المكان هنا ضيّق!

 ولكن رغم هذا بقيَ الجنديُّ ممدّدًا على طوله وبندقيتُهُ في ذراعه.

اندفعت السمكة سابحةً في الماء بحركات مضطربةٍ شتّى حتى سكنت أخيرًا!

حينها اخترقها ضوءٌ مثلَ شعاع برقٍ لمعَ بصفاءٍ وصاح حينها شخصٌ ما: ما هذا جندي صفيح ؟!

كان ذلك بعد أنْ تمّ صيدُ السمكة، وبيعها في السوق ومن ثَمَّ وصولها إلى المطبخ، حيث قطّعتها الطباخة بسكين كبيرة، وأخرجت جنديَّ الصفيح بإصبعيها من خصره وحملته إلى غرفة المعيشة، حيث كان الكل بانتظار رؤية هذا الجندي العجيب الذي قطع الرحلة هذه في بطن سمكة!


ولكنَّ جنديَّ الصفيح لم يكن فخورًا إطلاقًا! وُضِعَ على الطاولة..

 و يا لغرابة هذا العالم! فقد عاد جندي الصفيح إلى غرفة المعيشة نفسها التي كان فيها من قبل!

 ورأى نفس الأطفال والألعاب على الطاولة: القلعة الرائعة التي صنعت من الورق، وراقصة الباليه الرقيقة التي ما زالت تقف على ساق واحدةٍ وترفعُ الأخرى في الهواء، كانت هي أيضًا صامدةً في مكانها !

بدا جندي الصفيح متأثرًا جدًا، وكادت دمعةٌ من الصفيح أن تنزلَ على خدِّه، ولكن هذا لا يُعَدُّ ملائمًا!

 نظرَ إليها ونظرت إليه، ولكنهما لم يقولا لبعضهما شيئًا!


وأمسك ولدٌ من الأولاد الصغار في لحظةٍ بجنديِّ الصفيح ورماه في الموقد ولم يذكر السبب لفعله هذا!!

وبالتأكيد إن العفريت كان وراء هذا العمل .

 

وقف الجنديُّ متوهجًا شاعرًا بحرارةٍ ساخنةٍ لم يكن يعرف إن كانت بسبب النار أم الحب!

 كما إن ألوانه اختفت هي الأخرى تمامً؛ ولا يمكن القول أن ذلك قد حدث أثناء السفر أو بسبب حزنه .

أخذ الجندي ينظر إلى العذراء الصغيرة، وهي تنظر إليه فشعر بأنه يذوب ولكنه كان لا يزال واقفًا ثابتًا في مكانه، وبندقيته في ذراعه..

 حينها انفتح الباب فجأةً وعصفت الريحُ براقصة الباليه، فطارت مثل فتاةٍ رشيقةٍ هيفاءَ إلى الموقد عند جنديِّ الصفيح..

 اشتعلت ثم انطفأت واختفت..

 وذاب جنديُّ الصفيح وصار بقعة صغيرة .


جاءت الخادمة في اليوم التالي، لتجمع رماد الموقد؛ فوجدت الجنديَّ وقد صار قلبًا صغيرًا من الصفيح..

 أما راقصة البالية فلم يتبق منها إلا الحلية الصغيرة، التي كانت قد تفحمت .

 

تعليقات

التنقل السريع